ads x 4 (3)
ads x 4 (4)

حين تنكسر أجنحة الفرح في شفشاون!

في قلب شفشاون، حيث تتعانق زرقة السماء مع أزقة المدينة العتيقة، وحيث تروي الأحجار العريقة حكايات الأجداد، كانت ساحة وطاء الحمام تنبض بالحياة، لا بجمال عمرانها فحسب، بل بروحٍ ترفرف بألوان البهجة فوق رؤوس المارين، ببغاوات حميد بنسعيد، تلك الكائنات التي لم تكن مجرد طيور، بل صارت رمزًا لصخب الحياة في هذا الفضاء الساحر.

لسنوات طوال، كانت تلك الببغاوات أكثر من زينةٍ تزين كتف صاحبها؛ كانت سحابة من الألوان تظلل الساحة، ترسم الابتسامة على وجوه الأطفال، وتزرع الدهشة في أعين السياح، وتترك أثرًا لا يُمحى في ذاكرة كل من مرّ من هناك.. كم من زائر التقط صورةً مع تلك الطيور فغدت ذكرى خالدة، وكم من فنان أو شاعر وجد في مشهدها إلهامًا لا يقدر بثمن.

لكن، ويا للحسرة، كيف للفرح أن يبقى طويلًا في عالمٍ لا يحتمل الجمال؟ كيف للبهجة أن تظل مشرعة الجناحين دون أن يأتيها ما يبعثر ريشها في مهب الريح؟ لقد اختفت الببغاوات، صودرت فجأة، وكأن أحدهم انتزع ألوان اللوحة من فضاء المدينة، فغدت الساحة باهتة، كئيبة، بلا نبض، بلا روح.. لم يكن حميد بنسعيد وحده من أدمعت عيناه على فقدان رفاقه الصغار، بل بكت شفشاون كلها، تنهدت حواريها العتيقة، وصمتت ساحة وطاء الحمام، التي لطالما كانت تعج بالضحكات، كأنها دخلت في حدادٍ لا ينتهي.

أي ظلمٍ هذا الذي يجرد المكان من هويته؟ أي حيفٍ ذاك الذي يسلب المدينة أحد معالمها الحية؟ إن مصادرة ببغاوات حميد بنسعيد ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي طعنة في قلب التراث الحي، في الروح التي كانت تميز هذا المكان عن سائر بقاع الأرض.

أعيدوا الطيور إلى عشها، أعيدوا الروح إلى المدينة، أعيدوا البهجة إلى الساحة التي لا تليق بها الكآبة! لا تدعوا شفشاون تفقد شيئًا من سحرها، ولا تتركوا وطاء الحمام يتيمًا بلا أجنحة تحلق فوقه.. فما قيمة مدينة بلا ألوان؟ وما معنى ساحة بلا ضحكات؟ أعيدوا الببغاوات… أعيدوا للسماء زرقتها، وللمكان روحه، وللقلب نبضه الذي افتقده منذ غيابها!

Loading...