لطالما كانت ساحة وطاء الحمام في شفشاون فضاءً حيويًا يعكس روح المدينة وسحرها الفريد. على مدى 25 سنة، ظل حميد بن سعيد، الرجل الذي عشق ببغاءاته ورعاها كأبنائه، جزءًا لا يتجزأ من المشهد العام في هذه الساحة. اعتاد الزوار، من داخل المغرب وخارجه، على التقاط الصور مع هذه الطيور الملونة، التي أضفت لمسة جمالية وروحًا مميزة على المكان.
لكن فجأة، وبدون أي إنذار مسبق، قامت مديرية المياه والغابات بشفشاون بمصادرة هذه الببغاوات واحتجازها في أقفاص، دون مراعاة البعد الإنساني للقضية أو تقدير الأثر النفسي الذي قد يترتب على صاحبها، أو حتى على الطيور نفسها التي اعتادت العيش بحرية في الساحة.
بين القانون والتطبيق الجاف
قد يكون هناك إطار قانوني يبرر تدخل المديرية، سواء لحماية الحيوانات أو فرض تنظيم معين على الفضاء العام، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل طُبّق القانون بطريقة عادلة ومتوازنة؟ من غير المنطقي أن يتم تنفيذ مثل هذا القرار فجأة، دون تقديم إشعار مسبق لصاحب الطيور، أو البحث عن حل بديل يحفظ حقوقه وحقوق الطيور التي ألفت هذا النمط من الحياة.
هذا المشهد يعكس إشكالية أوسع: هل القوانين تطبق بنفس الصرامة في كل المدن؟ فإذا كان السبب هو الحفاظ على النظام البيئي أو منع استغلال الحيوانات، فلماذا نجد في جامع الفنا بمراكش مشاهد مماثلة حيث تتواجد الحيوانات في الأماكن العامة دون أن تُصادر بهذا الشكل المفاجئ؟ يبدو أن هناك انتقائية في التطبيق، وهو ما يثير الجدل حول مدى نزاهة هذه الإجراءات.
البعد الإنساني للقضية
حميد بن سعيد لم يكن مجرد شخص يملك ببغاوات، بل كان يمثل قصة إنسانية مؤثرة. فقد كرّس سنوات من حياته لرعاية هذه الطيور، وارتبط بها عاطفيًا كما يرتبط الأب بأبنائه. انتزاعها منه بهذه الطريقة قد يكون له تأثير نفسي كبير عليه، خاصة أنه كان يعاملها كجزء من أسرته. كما أن الطيور نفسها، بعد كل هذه العشرة الطويلة، قد تعاني من التوتر والرفض للأقفاص، مما قد يعرضها لمخاطر صحية.
ما الحل؟
الحلول العقلانية في مثل هذه الحالات يجب أن تراعي التوازن بين تطبيق القانون والإنصاف الإنساني. بعض الخطوات الممكنة:
1. إيجاد حل وسطي: عوضًا عن المصادرة المباشرة، يمكن تقديم بدائل، مثل فرض تنظيم معين يضمن الحفاظ على الطيور مع صاحبها ولكن وفق معايير محددة.
2. التواصل المسبق: أي قرار إداري يؤثر على حياة شخص ما يجب أن يتم بإخطار مسبق، مع فتح باب الحوار لإيجاد حل يراعي كل الأطراف.
3. المقارنة مع حالات مماثلة: إذا كان تواجد الحيوانات في الساحات العامة مقبولًا في مدن أخرى، فمن غير المنطقي أن يتم منعها فقط في شفشاون دون مبررات مقنعة.
ما حدث في وطاء الحمام ليس مجرد قرار إداري بسيط، بل هو اختبار حقيقي للعلاقة بين القانون والإنسان. تطبيق القوانين يجب أن يكون عادلًا ومتوازنًا، بحيث لا يتحول إلى إجراء جاف يتجاهل المشاعر والاعتبارات الإنسانية. القضية هنا تتجاوز مجرد ببغاوات في ساحة، بل تعكس كيف يمكن للبيروقراطية أن تفرض واقعًا قاسيًا دون مرونة أو إنصاف. ما نأمله هو إعادة النظر في هذا القرار، بحيث يتم إنصاف حميد بن سعيد وببغائه، تكريمًا لما قدمه لهذه المدينة من لمسة فريدة وسحر استثنائي.
عبد الصمد المحساني طالب باحث في سلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بتطوان