كمواطنة تؤمن بأن الطعام الآمن هو أول حق إنساني، شعرت بالرعب حين قرأت الخبر: فرنسا ترفض شحنة زيتون مغربي بسبب احتوائها على مبيد خطير يؤثر على الكبد والجهاز الهضمي.
خبر قد يبدو عاديًا للوهلة الأولى، لكنه يخفي خلف سطوره سؤالًا مُرًّا: كيف تُكتشف مادة سامة في مختبر أجنبي، بينما تمرّ من تحت أنوف مؤسساتنا الرقابية دون أن يلاحظها أحد؟
في الوقت الذي كان يُفترض فيه أن تُشكّل علامة “صنع في المغرب” مصدر فخر وثقة، تحوّل هذا النوع من الأخبار إلى مصدر قلق وخوف. لأن المشكلة لا تكمن في شحنة واحدة، بل في الثغرات التي تسمح بمرور منتج ملوث نحو الخارج — وربما نحو موائدنا أيضًا.
المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA) هو الجهة الرسمية المسؤولة عن مراقبة جودة الأغذية الموجّهة للأسواق الداخلية والخارجية. وهو المخوَّل قانونيًا بمراقبة كل ما يُنتج ويُصدَّر ويُباع. لذلك يحق لنا أن نسأل بوضوح:
أين كان المكتب حين غادرت تلك الشحنة إلى أوروبا؟
هل أجريت التحاليل المخبرية فعلًا؟ وإن أُنجزت، فكيف لم تُكتشف المادة الخطيرة؟
وإن لم تُنجز أصلًا، فتلك مصيبة أكبر، لأنها تعني أن الرقابة مجرد إجراء شكلي.
وهنا يبرز سؤال آخر لا يقل خطورة:
هل يفتقر المكتب الوطني للسلامة الصحية إلى حسّ المسؤولية الملقاة على عاتقه؟
أم أن الخبراء والمراقبين المكلّفين بهذه المهام غير أكفاء، أو يعملون في ظل غياب المحاسبة الفعلية؟
في الحالتين، النتيجة واحدة: مواطنٌ لا يثق في منظومةٍ يُفترض أن تحميه.
المغاربة اليوم فقدوا جزءًا من ثقتهم في منظومة المراقبة، بعد أن رأوا كيف تُعرض في الأسواق مواد غذائية مسرطنة أو منتهية الصلاحية أو مغشوشة دون رد فعل حازم من الجهات المعنية.
والسؤال المؤرق الآن: ما مصير الشحنة المرفوضة؟
هل أُتلفت وفق المساطر القانونية؟
أم أُعيدت تعبئتها لتُباع في الأسواق المحلية “دون حسيب ولا رقيب” كما حدث في حالات سابقة؟
من يضمن لنا ألا يتحوّل المواطن البسيط إلى مكبّ نفايات لسلع رفضتها الأسواق الأجنبية؟
بل أكثر من ذلك، يحق لنا أن نسأل:
هل المواطن المغربي فأر تجارب؟
هل هو أقل إنسانية من غيره حتى لا يستحق أن يكون طعامه خاليًا من السموم؟
إلى متى سيستمر العبث بأرواح الناس وكأنها أرقام بلا قيمة؟
وعندما نعود بالذاكرة إلى الماضي، نتذكر كارثة “زيت الطائرات الحربية” التي وُزعت في سنوات الاستقلال الأولى خاصة سبتمبر وأكتوبر 1959، حين بيع للمغاربة على أنه زيت للقلي، ففقد كثيرون أطرافهم وأصيب آخرون بأمراض مزمنة.
فهل نحتاج إلى تكرار الكارثة حتى نتحرك؟
المسؤولية اليوم تقع على عاتق المكتب الوطني للسلامة الصحية، الذي يُفترض أن يخرج ببلاغ رسمي يوضح للرأي العام:مصدر الشحنة،نوع المبيد المكتشف، الإجراء المتخذ (إتلاف، حجز، أو إعادة تصدير) والخطة الاستباقية لمنع تكرار مثل هذه الحالات.
السكوت هنا ليس خيارًا، لأن الصمت في قضايا الصحة العامة يعني التواطؤ أو العجز.
فصحة المواطن ليست ملفًا إداريًا، بل قضية وطنية تمسّ الكرامة قبل الجسد….. فهل ننتظر بلاغًا شجاعًا يضع النقاط على الحروف؟
أم سنكتفي مجددًا بعبارة “الدعوة لله”؟
د. سكينة أكذي – الشاون24

