ads x 4 (3)
ads x 4 (4)

المسيرة الخضراء بعد نصف قرن: من تضحيات الأمس إلى مكاسب اليوم

خمسون سنة مضت على المسيرة الخضراء المظفرة، تلك الملحمة الشعبية والسياسية التي جسدت عبقرية القيادة المغربية ووحدة الشعب حول قضية الصحراء. لم تكن المسيرة حدثًا عابرًا في التاريخ، بل كانت إعلانًا عن ميلاد وعي وطني جديد، يؤمن بالحق وبالسلم وبالانتماء لوطن واحد من طنجة إلى الكويرة.
اليوم، وبعد نصف قرن من تلك اللحظة التاريخية، يحق للمغرب أن يفخر بثمرة الصبر والوضوح الاستراتيجي في قضية الصحراء. فالرؤية المغربية القائمة على مبدأ الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية لم تعد مجرد طرح دبلوماسي، بل أصبحت خيارًا واقعيًا يحظى بتأييد واسع على المستوى الدولي، تجسد مؤخرًا في تصويت مجلس الأمن بالأغلبية لصالح المبادرة المغربية واعتبارها الحل الجدي والعملي الوحيد للنزاع المفتعل حول الصحراء.

ولا ننسى أن الملك محمد السادس، في خطابه التاريخي ليوم 31 أكتوبر 2025، قد أكد أن تصويت مجلس الأمن بالأغلبية لصالح مبادرة الحكم الذاتي يشكل انتصارًا للرؤية المغربية، لكنه ليس انتصارًا على أحد، بل انتصار للحكمة ولمنطق الحوار. رؤية تجسد القيادة الرصينة التي لا ترى في الحلول السياسية ساحة غلبة أو خصومة، بل فضاء لتلاقي الإرادات.

وفي هذا السياق، مدّ الملك اليد مجددًا إلى الجارة الجزائر، وإلى باقي الأطراف المعنية بالنزاع، من أجل ابتكار صيغة مشتركة لتنزيل مقتضيات الحكم الذاتي في إطار احترام السيادة المغربية ووحدة التراب الوطني. كما وجه نداءً صادقًا إلى مغاربة المخيمات للعودة إلى وطنهم الأم، تحت راية واحدة وشعار خالد: الله، الوطن، الملك.

لقد كان خطابًا مشبعًا بالحكمة والرصانة، يجمع بين قوة الموقف وسمو الرؤية، ويؤكد أن المغرب لا يسعى إلى الانتصار في معركة، بل إلى تحقيق مصالحة تاريخية تحفظ كرامة الجميع وتبني مستقبلًا مشتركًا يسوده الأمن والاستقرار.

لقد انتصرت رؤية الملك محمد السادس في الجمع بين الثبات على المبادئ والانفتاح على الحلول الواقعية، وهي رؤية نابعة من روح المسيرة الخضراء التي لم تكن مواجهة بالسلاح، بل مسيرة إيمان بالحق وعدالة القضية. هذا الانتصار الدبلوماسي والسياسي هو تتويج لتضحيات أجيال من المغاربة، رجالاً ونساءً، ساهموا في الدفاع عن الوحدة الترابية بالعرق والفكر والعمل الميداني.

ولعل أهم مكسب اليوم هو أن القضية الوطنية لم تعد مجرد ملف دبلوماسي، بل أصبحت مشروعًا تنمويًا شاملًا في الأقاليم الجنوبية، حيث تُترجم الاستثمارات الكبرى، والبنيات التحتية الحديثة، والتمثيلية السياسية المحلية، روح الحكم الذاتي قبل اعتماده رسميًا. فالمغرب لم ينتظر تصفيق العالم، بل مضى في بناء نموذج تنموي يثبت أن السيادة تُمارس بالفعل وليس بالشعارات.

نصف قرن بعد المسيرة الخضراء، يظهر جليًا أن الرهان المغربي على الزمن كان صائبًا؛ فالدول تتبدل مواقفها، والمنظمات الدولية تُراجع قراراتها، لكن الحقيقة تظل ثابتة: الصحراء مغربية بحكم التاريخ، والشرعية، والتنمية، والانتماء.

المسيرة اليوم لم تعد صوب الصحراء فقط، بل نحو المستقبل؛ نحو ترسيخ الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، والعدالة المجالية التي تجعل من كل مغربي حاملًا لرسالة المسيرة في مجاله. إنها مسيرة مستمرة بروحها، متجددة برؤيتها، ومنتصرة بوضوحها.

الشاون24 – د. سكينة أكذي

Loading...