في عالم تتسارع فيه التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تبرز قضايا الطفولة كأحد أبرز التحديات التي تواجه الدول والمجتمعات. فالأطفال ليسوا فقط مجرد أفراد في طور النمو، بل يمثلون المستقبل والمورد البشري لأي أمة. لذلك، كان لزامًا على المجتمع الدولي، أن يضع قضايا الطفولة في صلب اهتماماتها، وأن تسعى إلى إرساء آليات قانونية و مؤسساتية تضمن حمايتهم من جميع أشكال العنف والاستغلال والإهمال.
ورغم أن المغرب صادق على جل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، وأدخل إصلاحات تشريعية مهمة، فإن التساؤل لا يزال مشروعًا: هل نجح المغرب فعلًا في ترجمة هذه الالتزامات إلى حماية ملموسة وفعالة للطفل المغربي؟
لا يختلف إثنان في أن المغرب يتوفر على منظومة قانونية تعكس التزامه الدولي بحماية حقوق الطفل. فقد صادق على اتفاقية حقوق الطفل بتاريخ 21 يونيو 1993، والتي تنص في مادتها 3 على أن: “في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم، أو السلطات الإدارية، فإن مصالح الطفل الفضلى يجب أن تكون الاعتبار الأول.”
كما نص أيضا دستور المملكة لسنة 2011 في الفصل 32 على أن: “تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي، والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعهم العائلي.”
ورغم ذلك، فإن العديد من المراقبين الحقوقيين، ومنهم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يؤكدون أن هناك “فجوة واضحة بين التشريعات والسياسات وبين الممارسة الفعلية، نتيجة ضعف الموارد وتعدد الفاعلين وتداخل الصلاحيات” (تقرير المجلس لسنة 2022).
في تقرير اليونيسيف بالمغرب لسنة 2023، تم تسجيل معطيات مقلقة، منها:
أكثر من 142,000 طفل تتراوح أعمارهم بين 7 و17 سنة منخرطون في سوق العمل.
7.4% من الفتيات القاصرات يتزوجن قبل سن 18 سنة، رغم أن القانون يحدد السن الأدنى في 18.
نسب عالية من الهدر المدرسي في المناطق القروية، خاصة بين الفتيات.
تُضاف إلى هذه التحديات بنية اجتماعية تُكرّس العنف ضد الأطفال في بعض الأوساط، خاصة في ظل غياب آليات التبليغ الفعالة، وضعف التكوين لدى رجال التعليم والأمن والصحة على كيفية التعامل مع حالات العنف أو الاعتداء.
رغم إطلاق الدولة لمجموعة من المشاريع ك”البرنامج الوطني المندمج لحماية الطفولة 2020-2025″، الذي يهدف إلى تنسيق الجهود بين الوزارات و الجمعيات وتوفير بيئة آمنة لكل طفل، فإن تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي لسنة 2021 لاحظ أن: “غياب التقييم المنتظم لمدى فعالية هذه البرامج، وضعف التمويل، وغياب مؤشرات قياس الأثر، يقلل من فعاليتها ويجعلها في كثير من الأحيان شعارات أكثر منها أدوات فعلية.”
كما أن المجلس أوصى بـ:
– اعتماد مرصد وطني للطفولة يجمع المعطيات ويقترح السياسات.
– إلزامية تكوين مستمر لجميع الفاعلين العاملين مع الأطفال.
– تخصيص ميزانية مستقلة لحماية الطفولة ضمن كل جماعة ترابية.
الواضح أن حماية الطفولة في المغرب لا تزال رهينة مقاربة تقليدية ترتكز على رد الفعل بدل الاستباق، وعلى التركيز على الظواهر بدل الأسباب العميقة. المطلوب اليوم هو رؤية شمولية تجعل من حماية الطفل أولوية وطنية، وحقًا مضمونًا وليس فقط التزامًا دوليًا.
فرغم التقدم المحقق على مستوى القوانين والبرامج، فإن الواقع لا يزال يضع الطفولة في المغرب في مواجهة تحديات متعددة. فحماية الأطفال ليست فقط مهمة الدولة، بل هي مسؤولية مشتركة بين الأسرة، المدرسة، المجتمع، والإعلام.
كما قال نيلسون مانديلا:
“لا يمكن الحكم على مجتمع ما من خلال الطريقة التي يعامل بها أقوياؤه، بل من خلال الطريقة التي يعامل بها أضعف أفراده.”
ومن دون شك، فإن الطفل هو أضعف هؤلاء.
سفيان الرباج – الشاون24

