ومع انتهاء موسمي الدراسي أجد ملابسي معبأة في حقيبة السيارة وأنا في طريق العودة إلى البلدة من أجل حصاد المحصول السنوي من نبتة الكيف في حين أغلب أصدقائي من سكان المدينة يذهبون للإستمتاع بعطلتهم في الشواطئ والمخيمات، علي العودة إلى البلدة واسنشاق رائحة “العشبة” كل صباح..
بدأت أسأل نفسي لم عاداتنا مختلفة عن عاداتهم؟ لماذا عندما يسألني أصدقائي عن عطلتي أخجل من الإجابة؟ لماذا عندما تسألني أستاذتي عن مهنة أبي يتعين علي الكذب؟ ولمجرد الحديث عن الكيف أحس كأنني أحمل عاراً.. ألا يوجد بديل؟ بديل لهذه النظرة الدنيا التي ينظر بها لي زملائي في المدرسة، بديل لهذه التهمة التي تتبعني كلما تحدثت عن ماضينا وحاضرنا، بديل لنمط العيش الذي نعيشه أو بديل للدخل الأساسي لكل الأقارب..
تابعت مسيرتي وعشت تلك الأجواء بكل تفاصيلها حصدت وجمعت المحصول واكتسبت تلك التجربة لكن في المقابل كنت أبحث عن لحظة الخلاص أبحث عن نقطة تحول تغير مجرى المياه التي نُسقى منها.. كنت أحلم بتلك العصى السحرية التي ستغير كل شيء.. آمنت أنه يوما ما ستنقلب الموازين وتتغير فيها معادلة “الكيف”..
كبرت وتعلمت ولم أعد أهتم لذاك التاجر الذي يظن وكأنه يملك الدنيا وأنه استطاع أن يوفر لأطفاله كل شيء ليدرسوا ولم يحس يوما بكمية العار الذي حمله أبناءه معهم للمدرسة، كبرت ولم أهتم يوما لمن يمتلك أراضي يجني من ورائها أموالا حتى لو فكر في استثمارها لا تتجاوز أفكاره شقة للكراء أو مقهى.. لم أكترث يوما لمن يحملونها ليركبوا سيارات فخمة.. لا أرى ذاك الذي يعبؤها في حاويات لتجوب كل أرجاء القارة العجوز شخصا عبقرياً..
كل تفكيري منصب على أبناء الطبقة التي وجدت نفسها وسط عشرة إخوة تحت سقف واحد ولديهم قطعة أرض لا تطلب لحرثها سوى يوم واحد.. نصفهم هاجر.. ومنهم من انتحر..
لا يملكون سوى “الكِيفْ” عندما ازدادت مساحاته المزروعة وخرج من دائرة مناطقه التاريخية ارتفع عرضه وقل الطلب عليه فأصبح يباع بأثمنة بخسة لا تغطي في أغلب الأحيان المصاريف التي ينفقونها.. يتبع…
كريم المحساني – الشاون24