ads x 4 (3)
ads x 4 (4)

عناق الماضي والحاضر في فيلم مغربي شفشاون أصداء الأندلس

فيلم “شفشاون أصداء الأندلس” يستعرض المدينة الزرقاء وجمالياتها اللونية، مع إبراز لفن الغناء الشعبي المميز الذي يتقنه أهلها.

 بين الواقعي والتخييلي يحضر الفيلم المغربي “شفشاون أصداء الأندلس“ لمخرجته الشابة دنيا نيوف، ليحكي تاريخ المدينة الزرقاء، بين حاضرها المغربي وتاريخها الأندلسي، مقدما وثيقة تاريخية هامة عن مرحلة حاسمة في تاريخ المغرب المنفتح على الثقافات والحضارات.

كان حدث سقوط مملكة غرناطة في العام 1492 مفصليا في التاريخ البشري عموما، ففيه انتهى الوجود العربي والإسلامي في الأندلس، وبقيت فئة قليلة من الموريسكيين الذين هم مزيج من العنصر العربي والأوروبي والأمازيغي، والذين كانوا يعيشون في مملكة إسبانيا، بموجب العهد الذي قطعته على نفسها الملكة إيزابيلا وزوجها الملك فرديناند والكنيسة الكاثوليكية معا، لكن هذا العهد قم تم التراجع عنه، فصدر في سبتمبر
من العام 1609 قرار ملكي بأن يهجر الموريسكيون من كل إسبانيا خلال ثلاثة أيام، وهذا ما كان، فخرج هؤلاء تحت نير القسوة والظلم ومحاكم التفتيش، وتوجهوا إلى العديد من الأماكن في دول المغرب العربي والشام وتركيا.

والقسم الأكبر من هؤلاء ارتحلوا إلى المغرب، وسكنوا في العديد من المناطق، منها الرباط وسلا وفاس وشفشاون، التي أسسها علي  بن راشد، وإليها نقل الموريسكيون حضارتهم المتميزة التي تنهل من محيطهم العربي والأوروبي في الآن ذاته، وقدموا الكثير من المهارات والمعارف في صنوف الزراعة والتجارة وبعض الحرف، وكانوا يحملون إسلاما معتدلا، يهتم بالعلوم والفنون.

وبرز منهم النوابغ كالعلاّمة ابن رشد، والطبيب عبدالملك ابن زهر، والكاتب جُزَيّ بن عبدالله الغرناطي، وابن زمرك، والشاعر لسان الدين بن الخطيب الذي قتل خنقا وأحرقت جثته.

وفي الشمال المغربي، أسّس هؤلاء المهجّرون مدينة شفشاون، ذات المساحات الخضراء الشاسعة والتي تشبه إلى حد كبير ما هو موجود في الأندلس، بلادهم التي تركوها مجبرين.

عن هذه المدينة وهؤلاء الذين قدموا إليها وحضاراتهم التي بنوها، قدمت السينمائية المغربية الشابة دنيا نيوف محاولة سينمائية لافتة، بإخراج فيلم عن هذه المدينة التي تتمتع حتى اليوم بمزايا تعتبر مختلفة عن كل ما حولها من مدن في الريف المغربي. وعنونت المخرجة الشابة فيلمها بـ”شفشاون أصداء الأندلس” في استرجاع تاريخي لزمن قديم، عاش فيه أجداد أهل المدينة عصرا كانت فيه القوة والمناعة للدولة العربية وأهلها، وكأنها تجري مقارنة موضوعية بين حال الأمة حينها والآن.

وفي الفيلم استعراض للمكان بجمالياته اللونية الأخاذة، خاصة ما اتصل بموضوع اللون الأزرق لكل الأحياء، وكذلك من خلال فن الغناء الشعبي المميز الذي يتقنه أهلها، مشفوعا بمعلومات تاريخية هامة من العديد من المختصين في التاريخ وكذلك في الفنون.

وكان جليا أن هاجس المخرجة تقديم فيلم فيه أكبر قدر ممكن من المعلومات التاريخية، دون الولوج في مطب الرتابة وفقدان حالة الدهشة عند المتلقي، لذلك خرجت بالكاميرا نحو مساحات من فضاء المدينة مستعرضة جمالياتها والبعض من حياتها اليومية، كتنويع بين المعيار الفني والتاريخي للمادة المقدمة.

حنين إلى الفردوس المفقود
حنين إلى الفردوس المفقود

وعن ذلك تقول المخرجة “حاولت من خلال الفيلم تحقيق التوازن بين البعد الفكري التاريخي وبين البعد الجمالي، وإذ يستند الفيلم على وثائق تاريخية مرجعية دقيقة، فهو يقدم قراءة جمالية لتاريخ مدينة لها امتداد أندلسي عريق، هذه الحاضرة قصدها أهل الأندلس في الربع الأخير من القرن الخامس عشر للميلاد بعد أن فجعوا بنكبة سقوط المدن والحصون الأندلسية وحملوا معهم عاداتهم الأندلسية وضروبا من الفنون والحرف”.

وحاولت دنيا نيوف من خلال مختلف محطات الفيلم السفر بالمشاهد لاكتشاف أصالة هذا التراث والتعريف بما حققه الأسلاف من إنجازات حضارية لا تزال مستمرة حتى اليوم، وهي التي اجتهدت في أن يكون هناك توازن بين مختلف عناصر العمل، بين مشهدية الصورة والموسيقى التراثية التي تم توظيفها، وشهادات المنحدرين من الأسر الأندلسية الذين تم اختيارهم بعناية ليحكوا عن تجاربهم وتعلقهم بذاكرة الأندلس التي أُكره أجدادهم على مغادرتها، كما تفوقت المخرجة في تصوير مآثر وطبيعة المنطقة بـ”الكاميرا الطائرة” لوضع القصة في إطارها المكاني المتميز.

ولدى سؤال “العرب” عن اعتمادها لغة التداخل الزمني بين وجودين واقعي ومفترض، وهل أن السبب في ذلك ضرورة فنية أم الحنين إلى الماضي، بينت نيوف أن “الفيلم يمزج بين الماضي والحاضر، بين ماض ارتبط بأفول شمس الإسلام في الأندلس وحاضر يشكل جزءا لا يتجزأ من معالم الثقافة المغربية اليوم، إذ أن هذه المدينة الموجودة وسط الجبال، قصدها أهل الأندلس بعد أن فجعوا بنكبة سقوط مدينتهم الأم، فحاولت أن أوظف المشاهد التخييلية التي تجسدها امرأة بلباس عتيق، لمحاكاة روح المدينة وللتعبير عن الحنين إلى الفردوس المفقود، حنين إلى ذكريات زمن غابر لم تستطع السنين طيه”.

ويعتبر فيلم “شفشاون أصداء الأندلس” وثيقة تاريخية هامة عن مرحلة حاسمة في تاريخ المغرب، وعن أهمية وجود مثل هذه التجارب تبين المخرجة دنيا “أعتقد أن الأعمال التي تنهل ممّا هو تاريخي ومحلي تختزل جزءا من الذاكرة الإنسانية، ربما ليست لديها قاعدة شعبية مهمة في زمن العولمة، لكن هذه النوعية من الأفلام توثق بشكل مرئي لأحداث هامة في التاريخ الإنساني، وهي وسيلة ناجعة لإيصال المعلومة بشكل سلس وممتع لأكبر عدد ممكن من الناس، خصوصا لمن لا يُقبل على القراءة”.

استحضار لمجد الأندلس
استحضار لمجد الأندلس
Loading...